نحن نعيش منذ عبد الناصر لعبة أبدية وسؤال متجدد يبتز به ظهيري السلطة الشعب المصري، والاهم من ذلك -عندهم- الغرب، السؤال يقول : احمد عز ملتحي برائحة المسك، ام احمد عز حليق بالافتر شيف؟!
يتغيّر اللاعبون وتتغيّر مميزاتهم الشخصية ، فمن دور عثمان احمد عثمان واشرف مروان، لدور احمد عز وطلعت مصطفى، ومن اشرف السعد لخيرت الشاطر، ولكن تبقى اللعبة، او تعاد بحذر شديد من اللاعبين لتجنب أخطاء المرات السابقة، من تختار؟ لا عدالة اجتماعية بصورة حداثية، ام لا عدالة اجتماعية بصورة رجعية؟!، والأخطر أن هذه الصور تتبدل حسب الظروف.
كل من تابع مزايدة الحزب الوطني على التطرف في الصعيد بتورط أحد أهم رجالاته في اكثر من كارثة طائفية ضد الاقباط(الغول) وبعضنا يتذكر ما فعله احد قيادي الحزب المحليين في نفس الاقليم ضد البهائيين الاقليم الذي شهد اعنف العمليات الارهابية في ما تلى اغتيال السادات
وكما قرئنا عن علاقات اشرف السعد بقيادات الحكم في مصر في اوج قوته، تنتشر اليوم اقاويل حول بيزنس مشترك بين الشاطر وفلول الوطني الغير متورطين في جرائم جنائية، وهو كلام لم يتم نفيه او إثباته، ولكن يسهل تصديقه اذا قرئنا تصريح الشاطر حول المفاوضات مع النظام عبر رجال اعمال ممثلين له قبل كل انتخابات منذ العام 1995
هو نفس السؤال العبثي، من تختار؟، سؤال ضيّع الكثير من الوقت على مصر في السابق، وعمل عبره الاخوان كمسكن لا يقضي على المرض، بما ان النسب المتفق عليها كانت تحول دون تعطيل اي قانون او تعديل دستوري(اقصى نسبة كانت 20% في انتخابات 2005)
ليس من مصلحة الاخوان تقديم اي بديل لهم كبديل للنظام، بديل يشبه النظام كثيراً على كافة الاصعدة التنظيمية والاقتصادية والاجتماعية ، وهو ما يفسر عدم تقدم حملة مرسي بأي طعون ضد شفيق، فاللعب ضد شفيق مقامرة، اما اللعب ضد صباحي فانتحار.
الهرم الاخواني ينافس هرم الحرس القديم، طفيلي يوليو الذين حكموا مصر حتى هدد وجودهم طفيلي جمال مبارك، لهذا توقف العسكر عن اي اجراء في صالح الثورة بعد الاطاحة بجمال، هرم الاخوان بدأ يزحف الى اروقة مجلس الشعب عبر تعيين مئات الموظفين في المجلس بدلاً من موظفي الحزب الوطني، وللمفارقة-الغير مفاجئة اطلاقاً- جاء القرار من سامي مهران، ثم طلب الاخوان تعيين نسبة من دفعات كليات الشرطة بحجة حفظ الامن، والمراد-كما اعتقد- اختراق مؤسسات الدولة وتماثلها مع النظام، كما كانت جزءاً من الحزب الوطني وقبله الاتحاد الاشتراكي.
الشعب لا يستطيع أن "يلبس" هرمين، على احدهما اذا أن يزيح الآخر!
المراقب لأفكار الاخوان يدرك جيداً أن الهدف ليس تغيير عقيدة النظام السياسية ولا حتى الدولة، وإنما المجتمع بذاته، فالإخوان لم يعيدوا هيكلة جهاز الشرطة عبر تشريعات لمنع اي شبهة تزوير، ولم يصدروا تشريعاً بالعزل يليق بثورة، بل تم الموافقة على تشريع كُتِبَ على عجل حفظاً لماء الوجه، قانون تحت دستور لا يسمح بالعزل، ونحن نعرف بقية قصة الدستور، ظل الاخوان يناقشون قوانين قدّمها نواب النور، بعضهم يعمل سائقاً (كالبلكيمي) وبعضهم حلواني-كما سمعت عن احد نواب طنطا-، للتضييق على الحريات والعقول
حين أسمى ترزي قوانين الاخوان "صبحي صالح" من لا يتزوج اخت من الاخوان حتى وإن توافر لديها الخلق والجمال والتدين وحسن النسب بالـ"فلوطة" كان يعبر عن عقيدة اخوانية راسخة لدى القيادة الحالية للاخوان، عقيدة فاشية تشبه "اليوجينيا"، فالاخ من جنود "النظام الخاص" يجب أن يتمتع بصفات عدة، فقد جاء في ركن العمل في البيعة رسالة التعليم (  على الاخ أن يعمل على  يكون قوي الجسم متين الخلق مثقف الفكر قادراً على الكسب سليم العقيدة صحيح العبادة مجاهد النفس حريصاً على وقته منظماً في شئونه نافعاً لغيره)، وهو أحد ما يفسر علاقات النسب المتشابكة جداً في الجماعة، الوصول للمجتمع الاخواني اقتضى بناء المدارس الاخوانية قبل الثورة، وبعدها تأسيس جريدة وقناة فضائية للحزب، والتفكير في انشاء ناد رياضي.
المجتمع اذا هو الهدف الأسمى، وفي سبيله طلبوا النسبة في دفعات كلية الشرطة، وجسوا النبض حول تحجيم المحكمة الدستورية عبر قانون حزب النور المعيب، والذي تحدث عنه ابو العز الحريري قبل انتخاب البرلمان بشهور، يوم جمعة قندهار، حين نُقِل الناس لاول مرة كالخراف من كل أنحاء مصر لخدمة آراء المرشد، والوصول الى كرسي الرئاسة هو نقطة النهاية نحو السيطرة على مفاصل الدولة، لتوفير الغطاء للسيطرة على المجتمع
بيّنت في التدوينة السابقة أن الاخوان والعسكر قوتان متشابهتان جداً تتصارعان على السيطرة على المصريين، أما الثورة، فهي رمانة الميزان، التي إن مالت لأحدهم أضرت بالآخر، وإن بقيت وحدها سُحقَت تحت ثقل البيادة العسكرية والارداف الاخوانية الضخمة بطبيعتها(لاحظ التشابه بين أحجام ارداف قيادات النظام القديم، وضباط الشرطة، وبين قيادات التيار الديني)، وهو ما يفسّر تملق كلٍ من أحمد شفيق ومرسي لمعسكر الثورة، الأول قاتل لا نريد منه شيء، والثاني (بشخصه وتنظيمه) غطى على القتل أثناء حدوثه (بشهادة العديد من القيادات المفصولة من الاخوان)، واستمرت التغطية لعام كامل كان ضمن فترة "التمكين"-كما يشرح عبد الجليل الشرنوبي رئيس تحرير موقع الجماعة السابق- التي امتدت منذ تأسيس الجماعة والتي يظن أقطابها كل فترة انها انتهت، فيصيبهم الغرور(حدث بالفعل بعد التحالف مع الملك ضد الوفد، ثم مع عبد الناصر ضد القوى الديمقراطية حتى بدأت حربه ضدهم في يوم شهيد الجامعة من العام 1954، وبعد مساعدتهم السادات في ضرب اليسار وأخيرا بعدما ساعدوا العسكر في خنق الثورة)
وبعد هذا الصراع الطويل، نحن الآن أمام ثلاث احتمالات في موضوع الانتخابات الرئاسية:
1-اعادة شفيق ومرسي وفوز مرسي:
يعني السيناريو السابق سيطرة الاخوان على كل المؤسسات، ومن ثم ضغط القوى الثورية عليهم لمكافحة العسكر، وضغط قواعد الجماعة للسيطرة على الدولة نفسها وليس فقط المناصب المنتخبة(كما حدث من قبل وتسبب في زيادة نسبة المشاركة في البرلمان كنوع من الترضية للقواعد المتعطشة للمناصب بعد عقود من القهر) وهو ما سيحدث صدام(انقلاب عسكري وعنف في الشارع)، يفوز فيه العسكر كلما كان الصدام مبكراً، فالاخوان في أقل شعبية لهم(فازوا في مرحلة واحدة فقط في 2005 ب20% من البرلمان قبل أن تزور ضدهم لعدم التزامهم بالاتفاق مع النظام، ثم بما يقرب من ال45% في 2012، وهو ما يمثل انخفاضاً، ثم خسارة 10 مليون صوت في الرئاسة) وهم أعجز وأفشل من أن يقدموا بديل اقتصادي للدولة العميقة، تركيا أخذت عقوداً حتى تحاكم قادتها، وبما أن الشعبية منخفضة بهذا الشكل، وشرعية السلاح راسخة بفعل القِدَم والمُنجَز-اغلبه في حقبة ناصر- فإن إنقلاباً عسكرياً وحظر للاحزاب الدينية وتجديدا في شكل الحكم عبر انتخابات ديمقراطية لن يقابَل بكثير من المقاومة، خاصة بعد الضربات المتتالية للقوى الثورية الديمقراطية التي تمت بغطاء اخواني وأحيانا بتبرير ودعم صريح من التيار الديني

واذا تأخر هذا الصدام، وإذا قدم الاخوان مكسب اقتصادي، فستكون الغلبة لهم، اذ ان الشعب سيحمي حينها رئيسه، وهو ما يفسر البرنامج الرأسمالي الصريح المسمى ب"النهضة"، والذي سيتسبب-كما كل البرامج الرأسمالية الصريحة- في انعاش السوق بشكل مؤقت مع هضم حق الطبقات المطحونة بشكل بطيء ولكن شرس
عندها سينتشر البلطجية في الشوارع، وهي بالمناسبة لعبة تكررت في كل اوقات الثورات في مصر الحديثة، منذ ثورة القاهرة الاولى وصولاً الى ثورتنا هذه، وسيحدث صدام اخواني-فلولي عنيف

واذا قدم الاخوان ضمانات تتعلق بتشكيل متوازن ومحترم للجمعية التأسيسية( لا جمعية من يأكلون بمليون وشوية في ثلاثة أيام)، وليس الحكومة ولا الرئاسة، فهي امور تافهة والاخوان ستخسر منها، وسنخسر معهم اذا شاركناهم، سيكون فوز مرسي سهل جداً، المشكلة ان الاخوان يقامرون بالثورة، ليدخلوا انتخابات لا يعرفون نتيجتها، خسروا من مجلس الشعب 10 مليون صوت والخسارة مستمرة، ولا يريدون تقنين جماعتهم، اذا فاز مرسي تناموا، واذا خسر: خسروا كل شيء

2-اعادة شفيق ومرسي وفوز شفيق:
ستنتقل سلطة المجلس العسكري الى الرئيس بطبيعة الحال(وغباء الاخوان وتعنتهم فيما يتعلق بالدستور)، بما تتضمنه من اصدار اعلاناً دستورياً مكملاً لينظم شكل الجمعية التأسيسية، وسيأتي حينها بأفضل جمعية تأسيسية في العالم، لتعطيه سلطة حل البرلمان، وللبرلمان سلطة سحب الثقة من الحكومة، ليأتي قرار المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون الانتخابات(لتشابه الظروف مع برلماني 85 و87، فقد حكمت المحكمة الادارية بكتابة شَرطة امام الديانة في وثائق البهائيين استناداً لحكم محكمة شرعية في الصعيد في اوائل العشرينات، فما بالكم بنفس المحكمة في الماضي القريب)
عندها سيحل شفيق البرلمان، وهو ما سيرحب به الشعب بعدما رآه من فشل وجهل وعقد نفسية، وشفيق بالمناسبة لن يجد من يقضي عليه الا الاخوان، كما فعل محمد علي مع شيوخ الحرف والطرق الصوفية بعد القضاء على المماليك، وما فعل عبد الناصر مع الاخوان بعد القضاء على اليساريين والوفديين وحتى اعضاء الحزب الوطني القديم، فكل القوى اليوم غير منظمة، محبطة ومنهكة من (محمد محمود 1 و2، مجلس الوزراء، ماسبيرو، وحتى تضامنهم مع متظاهري العباسية الذين لُعِب بهم لعبة الهاوية بين العسكر من ناحية، وقيادات التيار الاسلامي من ناحية اخرى، راجع تصريحات صفوت حجازي قبل الاشتباكات وبعدها، وطلب نواب حزب النور بمحاكمة المعتقلين عسكرياً)
وبعدها سيتحول الى محاكمتهم تحت جرائم ملفقة، او اخرى حقيقية مسكوت عنها، عندها سينزل الاخوان الى الميادين، بشباب يتدرب على الرياضة في المعسكرات التربوية، ويندرج في تنظيم هرمي يسهل تسليحه في اي وقت، او حتى انفراط حلقة او حلقتين من خلاياه واتجاهها الى العنف كما حدث في السابق. عندها ستكون الدماء المصرية للركب

3-اعادة صباحي مع مرسي او اعادة الانتخابات وفوز صباحي
صباحي ليس لديه مشاكل مع الاخوان، بالعكس تضامن معهم حينما كان يختبئ شبابهم ويقاطعوا المظاهرات المتضامنة مع قياداتهم
وهو اقرب لطبيعة المؤسسة العسكرية من الاخوان، كلاهما ضد التنظيمات الدينية، وكلاهما ورث عبد الناصر، أحدهما فكره، والآخر ورث دولته (اخويا هايص وانا لايص)، صباحي وعد بخروج "عادل" للعسكر، والعسكر يُحاكموا بقانون عسكري(تركيا احتاجت لعقود لتضع قانوناً مدنياً لمحاكمة عسكرها، بعد اصلاحات مهولة في الاقتصاد)، يحاكمهم تابعوهم من الصف الثاني في الجيش، فطبيعة الجيش تحتم على كل من يرغب في أن يكون مؤثراً أن يدرس أركان حرب، ليُرفَض او يقبل، واذا اراد ان يكون رقماً أكثر تأثيراً عليه أن ينتظر ترشيحاً بدراسة الماجيستير، ترشيح يأتي فقط للمرضي عنهم من حيث الولاء للمؤسسة وقياداتها العليا وعدم الارتباط بأي تنظيم، كما ترتبط القيادات العليا بعلاقات صداقة ونسب، سننتظر اذا -على الاقل- 10 اعوام لنتخلص من كل من يدينون بالولاء للمجلس العسكري اذا ما اردنا ان نحاكمهم محاكمة جادة، والا سنفعل كما فعل عبد الناصر ونقيل كل القيادات العليا ونترك الجيش –ومن ثم البلد- في يد عديمي الخبرة العسكرية
اذا فالتحقيق فيما فعل العسكر بالشكل التقليدي لن يفضي الى شيء، والصدام معهم بشكل الفارامانات التركية لن يكون في مصلحته اذا جاء قبل طفرة اقتصادية وتوطيد لأركان الديمقراطية والعلاقات بين الرئيس وكل قيادات الجيش بحيث يسهل التخلص منهم واحداً تلو الاخر، فالتخلص من "مراكز القوى" ايام السادات ومن ابو غزالة وغيره ايام مبارك جاء مع شعبية جارفة وعلاقة ثقة مع القيادات الاصغر-التي ستحل محل المستبعدين- وهما عسكريين، اما الرئيس المدني فسيحتاج الى الاقتصاد ومن ثم تحبيب الديمقراطية الى الناس قبل اي صدام، أي بعد 10 سنوات على الاقل، وهو الانتقال الاسلس والأقل كلفة

السيناريو الاول والثاني في مصلحة الثورة(ستشتعل عنيفة بعد الصدام الاخواني-الفلولي ضدهما)، اما الثالث ففي مصلحة مصر(على المدى البعيد)، وأتصور أن العسكر ما ان يدركوا حجم الغضب في الشارع من اعادة السؤال المتعلق بالمسك والأفتر شيف، وخطورة فوز أي منهما على امن البلد الاجتماعي ومن ثم مكانتهم ومكانة المؤسسة في المستقبل، حتى يجدوا حلاً يعيد صباحي الى السباق، كل الافكار السابقة تفترض الذكاء، اما اذا تغابى احد الاطراف وارتكب حماقة ما، فانه سينتهي بسرعة، وبسرعة جداً، القضية كلها تخضع اذا الى التدافع.. وستر ربنا

0 comments: