ينمو الزعيم بداخل حكامنا لحظة جلوسهم على كرسي الحكم، وهذا ليس بسبب رطوبة "العرش"، لكن بسبب البذور التي نزرعها بأيدينا، تبدأ العملية في مصر ما بعد 25 يناير باستقطاب حاد يشعرك بأن القيامة ستقوم إذا ما نفذ هذا السيناريو أو ذاك، ولا يمر وقت طويل قبل أن يطالبك الناس من كلا طرفي الاستقطاب، بتغيير رأيك لأن "الشعب قال كلمته"، ويبدو أن الشعب صوته مزعج ولا يجب أن يتحدث كثيراً، فقط كلمة كل فترة معينة ثم يصمت واحنا علينا الباقي، وبعد ذلك تجد نفس الناس الذين كان بعضهم معك وبعضهم ضدك في مرحلة الاستقطاب يقول أن هذا لم يكن خيارنا بالضبط، وهو ما لا يحمل اعترافاً ضمنياً بالخطأ وتوبة عن الفتي في كل شيء من السياسة للاقتصاد للاجتماع والتربيطات بين هذه العلوم، البعض مازال مقتنع أن هناك شيء اسمه "ليبرالي محافظ يميل إلى اليسار"، وأن الحزب المعارض وظيفته أن يكون مسانداً للسلطة، وأن هناك شيء أسمه الاقتصاد الاسلامي، ذلك الاقتصاد الذي وصل نوره إلى اوربا والدول المتقدمة، وتمنعه عنّا الدولة الغاشمة، ولا يستيقظ الشعب حتى بعد دس يد البنك الدولي في.. جيبه
لماذا أقول هذا كله؟ بسبب الأوبيريت الحالي المسمى ب"صرخة أسد السنة في عاصمة الرافضة"، وهو ما يذكرني باوبيرت عمرو موسى بعد خناقة مع أحد المسئولين الإسرائيليين في التسعينات، خرج بعدها ليجد الجامعة العربية في إنتظاره، وهو ما فسره المصريون على انه عقاب، وكأن المناصب بتاعة ام مبارك
لا أخفي إعجابي بصوت مرسي الفخيم، تماماً كصوت عمرو موسى، حاجة مرعبة يعني، ولكنه لا يقول شيئاً له معنى، تماماً كما تشاجر موسى مع مسئول اسرائيلي بينما تعمل شركاتهم في مصر، فالسفن الايرانية والصينية عبرت لتزويد بشار بالسلاح
ستقول لي الآن اننا ملتزمون باتفاقية القسطنتينية، وأنا متفق معك تماماً، ولكن ماذا قدمت مصر للاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن؟
انا سعيد بالكلام عن ما يحدث في سوريا، ولكن أسلمة الخطاب المصري شيء خطير على دور مصر وعلى نسيجها الاجتماعي، ربما كان مفهوماً حين كان مرسي رئيساً لحزب ديني تأسس بالمخالفة للقانون، أما الآن فهو ممثل لمصر، بكل تنوعاتها الدينية والعرقية-او ما تبقى منها، أسلمة الخطاب لا يمكن أن تُقرأ بعيداً عن زيارة السعودية والتي قال فيها: السعودية راعية المشروع السني ومصر حاميته!. المشاكل الطائفية تفاقمت بعد خروج مصر من المعادلة العربية، أعرق كنيسة في العالم مصرية، وأعرق جامعة إلسلامية مصرية، كل شيوخ الازهر متصوفة وعندنا حب لآل البيت غير موجود في أي بلد أغلبية سكانه سنّة، دور مصر كان دائماً دور القطب الإقليمي، قطب يحل الأزمات لا ينضم لمشاريع أخرى، يتفهم مخاوف الأقليات ولا يتكلم بأسم أغلبية، ولا يصح أن نعود بعد ثورة-صحيح أنها فاشلة حتى الآن- لحلف مبارك السعودي الكويتي الاماراتي،على مصر أن تكون واحة للتعدد في منطقة مزقتها الصراعات ( مسعد أبو فجر) البلد على شفا بركان بسبب التمييز ضد أهالي الأطراف(سيناء والنوبة وعرب مطروح والامازيغ في الواحات) والأقليات الدينية (مسيحيين وبهائيين ويهود) وبسبب الاختلاف المتفاقم بين أقاليم مصر، وهو ما ظهر في الحصار الأمني والشعبي على مدينة بورسعيد بعد المذبحة، والمظاهرات التي نادت باستقلال المحافظة)
لا يمكن لدولة أن تتعامل بمنظور طائفي في الخارج وأن نتوقع منها الحياد بين مواطنيها، مصر كوزموبولتان وعلى رئيسها أن يتعامل على هذا الأساس، فالمنطقة لم تنتهي من المخاض، وما ينتظر سوريا ما بعد السفاح للأسف المزيد من الدماء، الحرب الأهلية قادمة بعد أن توارت القوى المدنية هناك لصالح الأسلام السياسي المسلح، وهو متعصب جداً بسبب سنتين من القتل والتدمير على يد نظام بشار، مصر يجب أن تستوعب كل هذا حتى لا تصبح سوريا عراق جديد.
صحيح أن الأمريكان دعموا الاخوان لهذا السبب، لأن تثقل كفة السنة في مواجهة ايران الشيعية، تنظيم يسيطر على دولة بعد ما سيطر عليها نظام،النظام السابق لم تكن لديه شرعية تكفيه للمساعدة في ضرب ايران بعد العراق، في ظل الفشل على الصعيد الداخلي اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، تصعد جماعة سنية لتعبأ الشارع ضد ايران!، الأفيد لمصر أن تدعم كل الطموحات التحررية في ايران (الثورة الخضراء) والبحرين(التي تجاهلها مرسي عندما ذكر الثورات العربية) والسعودية وسوريا واليمن والجزائر والمغرب والسودان.
الأزمة أن الامريكان والسعوديين من ناحية وايران من ناحية أخرى يدعمون الثورة او النظام على اساس التقسيم القديم: ممانعة واعتدال، بالرغم من أن الأيام أثبتت أنه ما من ممانع وما من معتدل، أنظمة عفنت كلها من المحيط للخليج، مصر يجب أن تدعم عدالة القضية، رئيس مصر ما بعد 25 يناير يجب أن يكون ثورياً ويقول عبوكوا كلكوا، والا أن يتعامل على أساس الحياد الأعمى إلا عن مصالح مصر المباشرة(لان دعم الثورات يفيد على المدى الطويل فقط)
الشعوب ستتحرر، وهي الباقية، رسالة لم يدركها الإخوان بالرغم من ادعائهم بأنهم جزء من الثورة، وهو ما يثبت العكس تماماً