يشار كثيراً في الفترة الأخيرة إلى سياسة مرسي بأنها صهيونية، بسبب دعوته للحوار بعد كل قرار كبير لكسب شرعية دون تقديم أي شيء في المقابل، وهو ما حدث بالضبط مع "فتح"، ولكن كالعادة بدون التعلم من أي درس.

بعد خروج مصر من المعادلة العربية (بسبب كامب ديفد ومن بعدها معاهدة السلام -مارس 79) حدثت تطورات ضخمة في المنطقة، منها غزو لبنان (82)، وخروج منظمة التحرير إلى تونس، وهو ما حفظ أرواح أعضائها وقادتها ولكن جردهم أيضاً من وظيفتهم الأساسية: المقاومة.

مع إنحسار دور المنظمة لخروجها من دول الطوق إلى المنفى، غضت اسرائيل الطرف عن "حماس" الحركة الناشئة (87)، وبدأ نجمها يعلو بسبب عملياتها المتكررة(ويقول الكثير ممن أعرفهم بأن المقابل كان تنسيق معلوماتي)، بينما منظمة التحرير في المنفى، اضطر هذا منظمة التحرير-عبر فتح- إلى الدخول في مفاوضات مع إسرائيل (مدريد ثم أوسلو)، بقية التفاصيل لا تهمني هنا، المهم أن عرفات أُغتيل وفازت حركة حماس في إنتخابات المجلس التشريعيى وأتبعت الفوز بإنقلاب مسلح!

هذا هو ما أراد أن يفعله مرسي بالضبط مع جبهة الإنقاذ، عدم الالتفات لأي ضغط ومن ثم مفاوضات للا شيء، لا مكسب يحفظ لقيادات الجبهة ماء وجووهم أمام قواعدهم، وبعدها يتم اغتيالهم سياسياً، وربما تصفية جسدية في وقت لاحق!

الانسداد المتعمد للمسار السياسي السلمي أفرز مظاهر عنف، من حرق مقرات وظهور ممارسات أناركية (ولا أقول مجموعات)، وهو رد فعل طبيعي، فيضان ناتج عن عدم تصريف محسوب للمياه الزائدة في نهر السياسة، والعنف هذا يتجلى الآن حتى في الاعلانات التلفزيونية (اقرأ وتأمل العنف في الإعلانات في الفترة الأخيرة، والإيحائات الجنسية التي بدأت بعد فوز الاسلاميين في انتخابات البرلمان، والاعلانات التي تشير إلى عدم وجود دولة في مقابل تعاظم دور الفرد والمجتمع)

المشكلة الأساسية أن العنف طريق إذا ما دخلنا فيه فلا يمكن الرجوع منه، وسنخسر أنفسنا وسط الصراع (أحمد زكي- أرض الخوف). كلما استمعت إلى قانونيين يتكلمون عن قضية مذبحة بورسعيد، وتأملت الغضب بين أولتراس أهلاوي، والغضب البورسعيدي، واستحالة ايجاد ادلة لأن الداخلية -جهاز جمع الأدلة- هي جزء من الجريمة، أوقن باستحالة أي حل بعيد عن العدالة الانتقالية، وهو ما رفضه الاخوان، وكان البرادعي سباقاً في الحديث عنها كالعادة (12 فبراير 2011)، المشهد معقد وسيزداد تعقيداً مع نزيف الدم 


العودة إذا مستحيلة، والحلول الوسط أيضاً يصعب إيجادها كلما سقط المزيد من الشهداء والجرحى، الكلام عن الهوية، وإدخال آلاف الارهابيين إلى البلاد من أفغانستان والبوسنة والصومال منذ وقت مبكر جداً، وخلق الإخوان لقوى على يمينهم ليقدموا أنفسهم كوسط(الإخوان كانوا أقصى اليمين في الجمعية الوطنية بينما كان أقصى اليسار هو الحزب الشيوعي، اليوم هناك من هم على يمين يمين الإخوان) أفرز جرأة على  الظهور لدى أعداءهم الطبيعيين

أهم ما أنتج الثورة وأنتجته، هي "الفردية"، لا حدود لأي شيء، اليوم تستطيع أن تنتقد أي رجل دين، وربما تسبه، اليوم يُناقش الإلحاد داخل مسجد، اليوم الكرامة أهم من الرشاوى لبورسعيد وكل بقعة تنتفض، اليوم لا تابوهات، تتساوى الرءوس في الواقع الافتراضي، المنع يقوّي الحجة، الردود المحفوظة على مسائل شائكة كالإلحاد بسبب عدم مناقشتها وضحالة البلطجية الملتحين على الفضائيات، تلك الردود لا تكفي، العنف هو الآخر يقوي الحجة، هذا طبعاً بالإضافة إلى التأثير النفسي بسبب عنف الإخوان والجماعات الدينية، وهو المحفز الأكبر على البحث عن(وربما اعتناق بدون بحث كافي في الكثير من الأحيان) أفكار مضادة.

جيل لا ينتمي إلى العفن ومُصِّر على مقاومته حتى لو كلفه ذلك حياته، أتأمل المراهقين المشاركين في الاشتباكات أحياناً ب"لبس المدرسة"، مدرك أنه متأخر، بينما الأجيال الحاكمة حتى لا تدرك جهلها، مدرك ومُصرّ على الانعتاق من البكابورت الذي نعيش فيه، المشكلة أن الإسلاميين يعتقدون أن قيودهم فقط هي التي تحطمت، الأثر الاجتماعي للثورة أعمق بكثير من أن يدركوه، ربما هذا التغيير الذي أنتج الثورة ليس جاهزا للحكم بعلاقات اجتماعية وانتاجية كافية، ولكنه اليوم يعلن عن نفسه بدون خوف، يتصالح مع أفكاره لأنه وجد التربة المناسبة لأن يعلنها، تتعمق قيمه يومياً في أكثر التفاصيل تناهياً، اليوم يحتج ضباط حراسة مرسي على سوء معاملة نجله، بينما يُحكَى عن اصطفاف ضباط كبار ومسئولين أمام أحفاد مبارك ليُصفَعوا! الضغط على غير المحجبات صار يُواجه الآن بينما كان أي مساس بممارس الضغط قبل الثورة سيصوَّر كأنه حرب على الدين من السلطة.


مشكلة الإخوان الأكبر في نظري هو استنادهم إلى شرعية أقدم من شرعية يوليو التي ثرنا عليها، شرعية الإلاهي، والديني بطبيعته غير عقلاني، تحويل الدين إلى مشروع سياسي (بيقلب مسخرة) في أحيان كثيرة، كرد مرسي على الانتقادات الاقتصادية لقرار غلق المحال في العاشرة مساءً بالحديث عن الصلاة و "باب الرزق"

أزمة الإخوان أنهم طمعوا في سلطة ستقتلهم بالتأكيد، وهو شيء كتبت عنه قبل الانتخابات بدون أن أتخيل عمق ما سيحدث، فإذا نجح الإخوان اقتصادياً ستتسع الطبقة الوسطى، وهي طبقة ليبرالية بطبيعتها، وستحقق تغييراً بطيئاً ولكن عميقاً بمشروع واع، وإذا فشلوا سيثور الشعب من جديد ولكن بدافع غريزة البقاء

الإصلاح اليوم مستحيل، إسقاط نظام الإخوان بسرعة لا يمكن أن يعقبه نظام مائع كالذي نعيشه، كلما أسرعنا في هذا تجنبنا أفكار أكثر تطرفاً وعنفاً تأكل نفسها كما فعل الإخوان

3 comments:

  1. Unknown said...
  2. Unknown said...
  3. ابوعدي للتسوق said...