عرض


عرض "خطيئة إسرائيل"
"إسرائيليون يحاكمون دولتهم"
دومونيك فيدال-جوزيف الغازي



كنت أريد أن أقرأ الموسوعة الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري، ولكني لما أجده في مكتبة أبي، لذا فقد قرأت الكتاب المذكور، الكتاب هو عبارة عن تلخيص و"تربيط" لعدة كتب تاريخ لجامعيين وصحافيين إسرائيليين يساريين(المؤرخين الجدد)، كما يعرض وجهة النظر الأرثوزكسية للمؤرخين القدامي المثيرة للسخرية والغضب في وقت واحد، ولكن لا يستطيع المرء إلا أن يعبر عن إعجابه بهذا الإصرار والتنظيم والإيمان بالقضية لدي هؤلاء المؤرخين بل ولدي الصهاينة بوجه عام، نفس الطريقة المدهشة علي الإنكار وتصديقه، نفس الطريقة يتبعها السياسيون والمؤرخون والعسكريون وحتي المدنيون، يبدأ الكاتب بالعتب علي الناشرين الفرنسيين في عدم نشر أعمال المؤرخين الجدد لمدة تزيد عن عشر سنوات مع أنها كانت قد حققت رد فعل كبير علي الأقل في صفوف الأكاديميين الإسرائيليين، وهذا يوضح مدي السيطرة للوبيهات الصهيونية علي الإعلام في الغرب، حتي في فرنسا، التي تصل نسبة المسلمين والعرب في بعض مدنها إلي ال50%، ومدي ضعف اللوبي العربي، هذا إن وجد!.

وأن أقرأ الكتاب إندهشت كثيرا من مدي تأصل الإرهاب في الكيان الصهيوني، فمناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل عام 1977 كان زعيما لحركة الإرجون(حركة يهودية متطرفة تميل إلي الإرهاب في عملياتها ضد البيراطنيين والفلسطينيين) التي إنخرط أعضائها في الجيش الصهيوني وأسس قادتها حزب حيروت (قلب حزب الليكود الحالي)،
وإسحاق رابين الذي صار رئيسا للوزراء م 1974 إلي 1977 ثم من 1992 حتي إغتياله في 4 نوفمبر1995،
كان عضوا في البالماخ التي قامت بعدة مذابح وقاد عملية طرد العرب من اللد والرملة 12 يوليو 1948، حتي الكيبوتزات وهي جمعيات فلاحية قامت بمذابح عديدة، واشتركت في مذبحة دير يس.

الكتاب فاجئني، فحتي المثقفين كانوا دمويين، فقد ذكر المؤرخ الجديد بن مورييس "ولم يبد الشاعر الوطني الكبير ابا كوفنر، الذي نجا من الإبادة الجماعية علي يد النازي، والذي عين ضابطا ثقافيا للواء جيفعاتي، الكثير من القلق أمام هذه هذه التصرفات، فوجه من كيبوتز عين هاجوريش حيث يقيم، رسالة إلي سائقي المصفحات في لواء جيفعاتي قائلا:(لا تترددوا يا أبنائي: إن الحكم علي هؤلاء الكلاب القتلة هو الدم، وبقد ما تطاردون كلاب الدم هؤلاء، بقدر ما تعلنون حبكم للجمال والحق والحرية.....)، ثم يكرر ثانية( الحق في حد السيف، والحرية تكمن في الدم، لأن طيف الدم يصيح:الثأر، الثأر، الثأر)"

يوضح بني موريس عدم التفرقة بين العرب علي أساس الدين أو العرق:(ولكن كانت عمليات الضرب بالقنابل وهدم القري، أقل حدوثا، بل ويبدوا أنه كان مسموحا للسكان المسيحيين والدروز بالبقاء في أماكنهم، في حين كان المسلمون يطُردون أو يهربون، (......)، إذا أخذنا في الإعتبار التحذيرات التي وجهها يتسحاق أفيرا، أحد العاملين في إدارة استعلامات الهاجاناه، الذي حذر من الاعتقاد بأن المسيحيين أو الدروز يعتبرون "كاشير" بعكس المسلمين(تعني الطعام وغيره من الأشياء التي تعتبر حلالا في الديانة اليهودية))

الكتاب يدحض نظرية المؤامرة التي يؤمن بها الكثير من العرب، فبريطانيا لم تترك لنا الصهاينة كقاعدة عسكرية دائمة لهم هنا، او علي الأقل، هذا ليس السبب الظاهر، فبريطانيا كانت ترغب في مساعدة اليهود الأمريكان والسوفيت للضغط علي دولهم لمساعدة بريطانيا بشكل اكبر أثناء وبعد الحرب، ولكنها أدركت أن هذا قد يهدد التعاون العربي المطلق ضد هتلر، أو قطع إمدادات البترول، مما أدي إلي قطع الهجرة ومنع السفن اليهودية بالقوة من الوصول إلي سواحل فلسطين، "وبإنتهاء الحرب العالمية الثانية، حاول الساسة البيراطنيون الالتزام بهذه السياسة ولكن دون نجاح، فقد أصبح ذلك غير عملي، يقول المؤرخ الإسرائيلي إيلي بارنافي(بعد الخروج من الحرب، أدي المنظر الفظيع لمعسكرات الموت، واكتشاف أبعاد المأساة-حيث بلغ عدد الضحايا ما يقرب من ستة ملايين، أي ثلث الشعب اليهودي، ومئات الألاف من الناجين، الذين لا يرغب أحد في استقبالهم، أدي كل ذلك إلي إلي إضفاء وضوح الحقيقة الناصعة علي مبادئ الصهيونية:فلكي لا يتكرر ذلك، يجب أن يكون لليهود وطن خاص بهم، وهكذا تحولت الجماهير اليهودية في كل أنحاء العالم، إلأي الالتفاف الكامل حول الحرك الصهيونية لأول مرة في تاريخها، كما حصلت علي عطف الرأي العام العالمي"، تلك الفقرة توضح لنا عدة أشياء، فلا أحد يرغب في إستقبال اليهود الذين يعتبرون "عبئ"، أن ذكاء الصهاينة في توظيف الأحداث أدي إلي إعطائهم دولة "من السماء"، وأن الغرب لا يؤيد الصهاينة حبافيهم، بل خوفا من أن يعودوا، وهذا يتضح جليا في تعامل أمريكا مع اليهود بعد الحرب العالمية الثانية، فهي رفضت إستقبالهم بالرغم من أن نصفهم كان يرغب في الهجر لأمريكا،" وإن كانت ترحب، في نفس الوقت بالعلماء اليهود البارزين، مثل ألبرت أينشتاين وغيره ممن ساهموا في صناعة القنبلة الذرية" ، "ودفع هذا إلي مضاعفة الهجرة "السرية" التي نظمتها جماعة (الموساد عاليا بيت)، إلي الحد الذي جعل محاولات البريطانيين لوقف هذه الهجرة ترتد عليهم كما حدث في حالة السفينة إكسودس التي أدت إلي ثورة الرأي العام العالمي الذي كان معبئأ أكثر من أي وقت مدي ضد ضد الإضتهاد المعادي للسامية"

الكتاب يدحض أيضا فكرة الصداقة بين الدول، فالسياسة لا أعداء لها ولا أصدقاء لديها (تشرشل)، فاليهود والبيراطنيين، حلفاء الأمس في إخماد الثورة العربية، هم أعداء اليوم، في هجوم العصابات اليهودية مجتمعة علي فندق الملك داوود ثم اغتيال الكونت براندوت، ذلك الهجوم الذي إستفذ البيريطانيين للمطالبة بإعادة أبنائهم إلي الوطن، الوطن المنهك من الحرب مع هتلر.

الكتاب يوضح أسباب "التوافق الأمريكي السوفيتي الغريب" الذي تصوره كتب التاريخ العربية علي أنه مؤامرة، فهو مجرد إلتقاء مصالح، فالاتحاد السوفيتي كان يرغب في تدمير الامبريالية المتمثلة في بريطانيا، وكان يجب ان يتحالف مع أحد الطرفين(اليهود أو العرب) حتي يقوم بذلك، وهو لم يري في الجانب العربي وقتها حليفا قويا، مما دفعه إلي التحالف مع اليشوف(الحركة اليهودية قبل الدولة)، وها يتعارض مع فكرة القادة السوفيت اليهود في معظمهم عن القومية، مما دفعهم الي قمع اليهود في الداخل حتي لا تعلو النعرة القومية لديهم، وأمريكا التي رفضت إستقبال اليهود من قبل، كان موقفها متناقضا جدا، فهي لا ترغب في التخلي عن الحليف البيريطاني، ولا في معاداة الدول العربية الناشئة، ولكن ضغط اللوبي اليهودي في الداخل كان أقوي بكثير، فاعترفت باسرائيل

الكتاب يلخص أسباب الهزيمة العربية في الحرب الي عدة اسباب، اهمها عدم التنظيم بين الجبهات، وخيانة عبد الله ملك الاردن(الذي اتفق مع جولدا مئيرسون علي تقسيم فليسطين بين اليهود والمملكة الهاشمية، ووصل الامر به الي عدم مهاجمة الهاجانا الا بعض العمليات الخفيفة في القدس، التي لم يشملها الاتفاق)، وعدم تميزهم بالحنكة السياسية كإسرائيل التي حصلت علي دولة من لا شيء

يدحض المؤرخون الجدد ما سموها "اسطورة إسرائيل"، فإسرائيل قامت فوق أراضي شبه خالية بعد تهجير الفليسطينيين او فرارهم بعد المذابح البشعة التي وصفت بدقة كبيرة، وتلك القصة منافية لقصة المؤرخون الجدد التي تصور هجرة الفلسطينيين بأنها "تنفيذ لأوامر القادة العرب"

ما يعطي للكتاب أهمية كبيرة هو أنه قائم اساسا علي مستندات إسرائيلية رسمية ومذكرات للقادة الصهاينة، وما استخلصته من الكتاب، هو أن أولا:سلالة الملك عبد الله (وسخة أبا عن جد)، ثانيا، أن عدم وجود وعي عربي بالاعلام واللوبي والديموغرافيا يهدد بالف نكبة، فمعظم المناطق العربية المحاذية من إسرائيل خالية من السكان، مما يسهل إحتلالها في أي لحظة، ثالثا، أن الأنظمة العربية الحالية مشابهة للتي كانت موجودة وقت النكبة، لا تتمتع بقاعدة شعبية، مما يسهل حدوث عدة نكبات جديدة، وأخيرا، أن الصهاينة لا يمكن الحوار معهم، فهم يقتلون ويدعون أنهم الضحية، بل ويتهموننا نحن بالقتل، فالحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو أولا تغيير الأنظمة الإستبدادية في الدول العربية، ثم إبادة جميع الصهاينة من فلسطين.

1 comments:

  1. حزينه said...

    السلام عليكم
    هى دى الرومانسيه اللى احنا بندور عليها
    بس فى مجتمعنا دة مش تلاقيها

    حزينه