أشعر
شعوراً قوياً بأننا بصدد موجة جديدة من الثورة، وهذا ليس بسبب الأعداد
الضخمة التي قضت الأمس تهتف في ميادين التحرير والمسيرات الماراثونية
إليها، ليس في الصوت، بل في الصورة.
لم أهتف مرة واحدة غير تابع منذ بدأت المشاركة في الاحتجاجات (منتصف2006) إلا يوم 25 يناير 2011 بين عدد صغير وجد نفسه وحيداً قبل الميعاد المحدد للمظاهرة/الثورة، ما شجعني يومها برغم الخجل كان الخوف في أعين المتفرجين، لأن الصورة احتاجت لهذا، شعرت بهذا حين لاحظت أن صورتنا لا تقنع العيون، حيث كان الهتاف الأعلى بين المتظاهرين يسب مبارك ويؤيد ايران، بلد القهر الديني الأول في العالم.
قضيت ليلة أمس الأوّل تقريباً أفرغ غضبي عبر تدخين كمية ضخمة من السجائر-عدت اليها بفضل السيد الرئيس- وتأليف الشعارات، ومتابعة مؤتمر ياسر علي، الذي بدا مذعوراً برغم أنه كان يقرأ ما يجعله المتحدث باسم الله لا رئاسة الجمهورية، ثم مؤتمر القوى الوطنية، الذي كشفت صورته شخصية كل من كان فيها، من البرادعي، الأب الروحي للثورة الذي ترك مقدمة الصورة لمن هم أصغر منه، ووقف غير مهتم بما يقال أو يفعل، المهم هو الوحدة، حمدين الذي وقف مبتسماً وتوجه بكلامه للبسطاء، وهو ما جعلني أفكر بأنه مدرك تماماً لدوره: مجرد صورة لتسويق المنتج، عمرو موسى "الصوت الجهوري الذي لا يقول شيئًا"، وسامح عاشور، الشكل الكلاسيكي لناصري ما بعد السادات: وجه صعيدي، صوت مرتفع، وأشخاص أكبر من أحزابهم، وفي الخلفية صورة سعد زغلول، قائد الثورة الجدة، التي تشبهنا أكثر مما تشبهنا ثورة 52
تراجعت عن الهتاف بالشعارات في المسيرة التي انضممت اليها، وحين كنت أشجع نفسي على الهتاف، خصوصاً حين يخفت هتاف من قادوا المسيرة من العباسية إلى التحرير على كوبري 6 اكتوبر، كنت أتراجع لأتابع صورة ما، إما العساكر المرعوبين على أسطح قسمي الشرابية والأزبكية، أو صورة الشباب الذي يهتف خلف امرأة، وهو مشهد لم يكن يحدث كثيراً في أيام الثورة الأولى بسبب تواجد المتأسلمين في الميدان، أو إشارات التأييد لنا من العابرين على الكوبري برغم تعطيلنا لهم، نفس الإشارات أتت من العشوائيات أسفل الكوبري.
قبل أن أنزل إلى التحرير استطلعت ما يحدث عبر التلفزيون، لاحظت عدة اختلافات بين مشهد الاتحادية ومشهد التحرير:
أولاً: الاسلاميون محتشدون أمام قصر السلطة، بينما احتشد اصحاب الثورة في ميدانهم الذي تركوه لعامين، هي رمزية المكان كما أُنزِلت
ثانياً: طريقة الاحتشاد نفسها، فالتحرير كان به عدة عشرات ازدادوا بتؤدة(وصلوا بعد ذلك لعشرات الالاف)، بينما امتلأ مشهد الاتحادية بالجلاليب البيضاء التي وصلت في نفس اللحظة، هنا ينفضح الفارق بين الجماعات التي تعتمد على الكل، المجموع، الأمة، وبين مواطنين ينتمون إلى القرن الجديد يؤمنون بالفردية، لا يساقوا من نقطة تجمع لأخرى
ثالثاً: خطيب الجمعة أمام الاتحادية اخوانياً، وورائه على المنصة أربعة أو خمسة أشخاص من قيادات الجماعات المتضامنة معهم، بينما يجلس الباقون على الأرض أسفل أقدامهم، مؤخراتهم مفرطة في الكبر كمؤخرات ضباط الشرطة، وهو ما يدعونا للتفكير في علاقة وسياق الجشع في السُلطة والطعام، أما التحرير فلم تقم فيه الجمعة، نعم كل المسيرات تحركت من مساجد بعد الصلاة، أما ميدان الثورة، ففصل فيه الدين عن السياسة
رابعاً: في التحرير لا منصات، أما الاتحادية فوقف رئيس الجماعة باسلوب دكتور الهندسة (هو كلامي هو اللي صح واللي مش عاجبه هاسقطه) بتعبير صديقي هاني جورج، يلوّح بسبابته مهدداً ومتوعداً، بينما تظهر بحجم قدمه من زاوية التصوير، وهو ما تنبأ به يوسف شاهين
أما في التحرير فظهر قديس الثورة كمال خليل منتشياً، محمولاً على الأعناق يقود الهتاف مرة ويتبع مواطناً مغموراً مرة أخرى، ينام بين دقيقة وأخرى على الأعناق ليهتف باتجاه السماء ويتراقص حين يجلس فوق الأعناق، هذه الحالة من الارتياح للمحيط والإحساس بالأمان شعرها جميع من قابلتهم أو شاهدتهم يهتفون، وهي مرتبطة بتركيبة الميدان، فالميدان لم يكن فيه من يضرب الصحفيين أو يجبر الناس على الهتاف بما يريد. نفس الحالة لاحظتها على مصطفى الجندي الذي دخل الميدان محمولاً على الأعناق، وفتح جاكيته وأخذ يتلاعب ببطنه متهكماً على مرسي في أول مرة دخل فيها إلى التحرير، وكان رئيساً وقتها
الاحتفاء بالصورة ظهر أيضاً وقت دخول البرادعي وحمدين محمولين على الأعناق، لم يهتف أيهما، حين تشابكت أيديهما هتفنا (ايد واحدة). الأكثر فهماً للصورة كان خالد علي، الذي حمل على الأعناق ليتبع حمدين والبرادعي، بدا أسرع في الزحف من الآخرين ليتبعهما.
بعد ذلك بلحظات عادت الصورة لأيام يناير، وقتما كانت النكات الطريق الأقدر على التعبير، دخل الميدان حمار يجره عدد من الناس وهم يهتفون: الشعب يريد إسقاط الحمار
الصورة اختلفت أيضاً بين التحرير اليوم وتحرير الشريعة، الجميع كان يصافح باحترام شديد كل الوجوه المعروفة، من حسين عبد الغني لعبد الغفار شكر لحازم الببلاوي لخالد علي لخالد الصاوي لأحمد حلمي، ولا أحد يقبّل الأيدي
الأحداث متوقعة، وليس حجم الغضب هو ما يجعلني أرى الموجة الجديدة تقترب، بل اللجوء إلى الصورة بدلاً من الصراخ
لم أهتف مرة واحدة غير تابع منذ بدأت المشاركة في الاحتجاجات (منتصف2006) إلا يوم 25 يناير 2011 بين عدد صغير وجد نفسه وحيداً قبل الميعاد المحدد للمظاهرة/الثورة، ما شجعني يومها برغم الخجل كان الخوف في أعين المتفرجين، لأن الصورة احتاجت لهذا، شعرت بهذا حين لاحظت أن صورتنا لا تقنع العيون، حيث كان الهتاف الأعلى بين المتظاهرين يسب مبارك ويؤيد ايران، بلد القهر الديني الأول في العالم.
قضيت ليلة أمس الأوّل تقريباً أفرغ غضبي عبر تدخين كمية ضخمة من السجائر-عدت اليها بفضل السيد الرئيس- وتأليف الشعارات، ومتابعة مؤتمر ياسر علي، الذي بدا مذعوراً برغم أنه كان يقرأ ما يجعله المتحدث باسم الله لا رئاسة الجمهورية، ثم مؤتمر القوى الوطنية، الذي كشفت صورته شخصية كل من كان فيها، من البرادعي، الأب الروحي للثورة الذي ترك مقدمة الصورة لمن هم أصغر منه، ووقف غير مهتم بما يقال أو يفعل، المهم هو الوحدة، حمدين الذي وقف مبتسماً وتوجه بكلامه للبسطاء، وهو ما جعلني أفكر بأنه مدرك تماماً لدوره: مجرد صورة لتسويق المنتج، عمرو موسى "الصوت الجهوري الذي لا يقول شيئًا"، وسامح عاشور، الشكل الكلاسيكي لناصري ما بعد السادات: وجه صعيدي، صوت مرتفع، وأشخاص أكبر من أحزابهم، وفي الخلفية صورة سعد زغلول، قائد الثورة الجدة، التي تشبهنا أكثر مما تشبهنا ثورة 52
تراجعت عن الهتاف بالشعارات في المسيرة التي انضممت اليها، وحين كنت أشجع نفسي على الهتاف، خصوصاً حين يخفت هتاف من قادوا المسيرة من العباسية إلى التحرير على كوبري 6 اكتوبر، كنت أتراجع لأتابع صورة ما، إما العساكر المرعوبين على أسطح قسمي الشرابية والأزبكية، أو صورة الشباب الذي يهتف خلف امرأة، وهو مشهد لم يكن يحدث كثيراً في أيام الثورة الأولى بسبب تواجد المتأسلمين في الميدان، أو إشارات التأييد لنا من العابرين على الكوبري برغم تعطيلنا لهم، نفس الإشارات أتت من العشوائيات أسفل الكوبري.
قبل أن أنزل إلى التحرير استطلعت ما يحدث عبر التلفزيون، لاحظت عدة اختلافات بين مشهد الاتحادية ومشهد التحرير:
أولاً: الاسلاميون محتشدون أمام قصر السلطة، بينما احتشد اصحاب الثورة في ميدانهم الذي تركوه لعامين، هي رمزية المكان كما أُنزِلت
ثانياً: طريقة الاحتشاد نفسها، فالتحرير كان به عدة عشرات ازدادوا بتؤدة(وصلوا بعد ذلك لعشرات الالاف)، بينما امتلأ مشهد الاتحادية بالجلاليب البيضاء التي وصلت في نفس اللحظة، هنا ينفضح الفارق بين الجماعات التي تعتمد على الكل، المجموع، الأمة، وبين مواطنين ينتمون إلى القرن الجديد يؤمنون بالفردية، لا يساقوا من نقطة تجمع لأخرى
ثالثاً: خطيب الجمعة أمام الاتحادية اخوانياً، وورائه على المنصة أربعة أو خمسة أشخاص من قيادات الجماعات المتضامنة معهم، بينما يجلس الباقون على الأرض أسفل أقدامهم، مؤخراتهم مفرطة في الكبر كمؤخرات ضباط الشرطة، وهو ما يدعونا للتفكير في علاقة وسياق الجشع في السُلطة والطعام، أما التحرير فلم تقم فيه الجمعة، نعم كل المسيرات تحركت من مساجد بعد الصلاة، أما ميدان الثورة، ففصل فيه الدين عن السياسة
رابعاً: في التحرير لا منصات، أما الاتحادية فوقف رئيس الجماعة باسلوب دكتور الهندسة (هو كلامي هو اللي صح واللي مش عاجبه هاسقطه) بتعبير صديقي هاني جورج، يلوّح بسبابته مهدداً ومتوعداً، بينما تظهر بحجم قدمه من زاوية التصوير، وهو ما تنبأ به يوسف شاهين
أما في التحرير فظهر قديس الثورة كمال خليل منتشياً، محمولاً على الأعناق يقود الهتاف مرة ويتبع مواطناً مغموراً مرة أخرى، ينام بين دقيقة وأخرى على الأعناق ليهتف باتجاه السماء ويتراقص حين يجلس فوق الأعناق، هذه الحالة من الارتياح للمحيط والإحساس بالأمان شعرها جميع من قابلتهم أو شاهدتهم يهتفون، وهي مرتبطة بتركيبة الميدان، فالميدان لم يكن فيه من يضرب الصحفيين أو يجبر الناس على الهتاف بما يريد. نفس الحالة لاحظتها على مصطفى الجندي الذي دخل الميدان محمولاً على الأعناق، وفتح جاكيته وأخذ يتلاعب ببطنه متهكماً على مرسي في أول مرة دخل فيها إلى التحرير، وكان رئيساً وقتها
الاحتفاء بالصورة ظهر أيضاً وقت دخول البرادعي وحمدين محمولين على الأعناق، لم يهتف أيهما، حين تشابكت أيديهما هتفنا (ايد واحدة). الأكثر فهماً للصورة كان خالد علي، الذي حمل على الأعناق ليتبع حمدين والبرادعي، بدا أسرع في الزحف من الآخرين ليتبعهما.
بعد ذلك بلحظات عادت الصورة لأيام يناير، وقتما كانت النكات الطريق الأقدر على التعبير، دخل الميدان حمار يجره عدد من الناس وهم يهتفون: الشعب يريد إسقاط الحمار
الصورة اختلفت أيضاً بين التحرير اليوم وتحرير الشريعة، الجميع كان يصافح باحترام شديد كل الوجوه المعروفة، من حسين عبد الغني لعبد الغفار شكر لحازم الببلاوي لخالد علي لخالد الصاوي لأحمد حلمي، ولا أحد يقبّل الأيدي
الأحداث متوقعة، وليس حجم الغضب هو ما يجعلني أرى الموجة الجديدة تقترب، بل اللجوء إلى الصورة بدلاً من الصراخ