شاركت حركة ثوار الجامعة الألمانية المسيحيين فى جمعة الآلام بقرية صول بأطفيح، فى كنيسة الشهيدين بعد أن أُعيد بنائها، وكنت من بين 16 عضوا من الحركة تحركوا من مسجد السلام بمدينة نصر لكنيسة الشهيدين(مارمينا ومارجرجس)، لنؤكد على وحدة المصدر ووحدة المصير، حين ذهبنا إلى هناك لم نستطع التفريق بين مسلمى القرية ومسيحييها، فالسيدات جميعا تلبسن الجلاليب والطُرح، والرجال جميعا يلبسون الجلاليب، سُمر البشرة من العمل فى الغيطان وفى مصنع الطوب القريب من القرية، وحسب كلام من قابلناهم من اهل القرية فالتعليم منتشر فتى القرية، وما فهمناه ان المشكلة مبنية على الشائعات، وعدم الوعى، تعجبنا من ما حدث، كيف ينشغل الناس بالطائفية فى قرية بسيطة، كان البعض ينظر بتعجب إلى الحافلة التى كانت تقلنا(كنا قد ألصقنا عليها "بوسترات" تدعوا إلى الوحدة") والبعض الآخر كان ينظر بترحيب(ولم يكن هذا على اساس الدين، فقد قابلت مسيحى بداخل الكنيسة كان ينظر لنا بتحفز شديد)، بعد أن ركنّا الحافلة ونزلنا، تجمع الاطفال، تهافتوا على الحصول على اوراق كنا نوزعها عليها هلالاً وصليبا تدعوا للوحدة، وما أن يحصلوا عليها حتى يمزقوها، أحد الرجال بدأ معى حديثا، حدثّنى عن ضرورة انهاء الفتنة والمطالبات الفئوية، وأخبرنى ان النفوس صافية ولا شيء بين المسلمين والمسيحيين، فأثنيت على حديثه، واعتذرت عما ظننته من جهل بالقرية لما سمعته بأن أحد اسباب الفتنة هى اشاعة السحر المنتشر فى القرية بين المسيحيين، فقال لى "لأ فيه سحر.. ده واقع يا باشمهندز!"
عند باب الشارع الكائنة به الكنيسة، وجدت حاجز عنده بعض جنود القوات المسلحة وعساكر من الشرطة، سمعت عسكرى شرطة يقول: "هم دول اللى بيولعوا" فرجعت له وسألته مبتسما ولكن متحفزا" احنا برضوا اللى بنولّع؟" وأتذكّر اننى أشرت إلى تاريخ الشرطة وما فعلته على مدار 30 عاما
بادرنى طفل لا يتجاوز الخمس سنوات بالسؤال "انتوا جيتوا هنا عشان النصارى؟" فأجبته بنعم، "انتوا مابتحبوش المسيحيين؟" فقال لى "من زمان واحنا مابنحبهمش"
حين دخلنا إلى الكنيسة وجلسنا مع اثنين من القساوسة، جلبوا لنا ما نشرب، وقدموا الواجب، لكن الكلام لم يتجاوز الترحيب، شعرت باننى اسمع صوت قوى يتردد فى المكان: "خليكوا فى حالكوا"(قوبلنا بترحاب ولكنى شعرت بعدم الرغبة فى فتح الحديث، شعرت بأننى مبارك يزور كنيسة ليُضايَف ويتبادل التهانى والقبل والابتسامات) باستثناء أحد الخدام الذى توسمت فيه ثقافة عالية هو وصديقه، وأنوى أن اقابله مرات اخرى، عرفت منه انه ترك القرية بسبب الطائفية وأنه لا يرجع إليها إلا فى الأعياد والمواسم، أمر القس أحد الخدام ليُرينا الكنيسة، شاهدنا المذبح وعرفنا الفرق بين الأيقونة والصورة، ومعنى التدشين، وأشياء من هذا النوع كنت أعرفها منذ سنوات عدة، همس فى أذنى أحدهم "طبعا هو بيوريكوا كده عشان فيه ناس بتقول اننا بنخبى حاجات فى الكنيسة"، التقتط كتاب لترانيم جمعة الآلام، مكتوب بالقبطية والعربية، فأخبرنى صديقى الخادم بأن الكتابة القبطية هى سر الإشاعة، حيث يعتقد مسلمو القرية أن القبطية هى رسومات سحرية
انسحبت لأخبر منسق الحركة "داود" عن فكرتى بالتنمية البشرية والاقتصادية فى القرية للتقريب بين الناس، وأن نحدّث الناس فى أحد الدواوين-لها اسماء اخرى فى محافظات اخرى، وهى قاعات كبيرة يجرى فيها الصلح والعزاء واحيانا والغداء الذى يقدم حين يتوفى أحدهم- فاصطحبنى لاقابل أحد الضباط، الذى يدعى "هيثم البحيرى" وهو ضابط مباحث برتبة مقدم كما أتذكر، وهو من أنقذ أحد القساوسة حين أُحرِقت الكنيسة، أخبرنى أن ديوان العائلة مفتوح، ولكن الكلام مع أهل القرية عما حدث سيعيد الكلام عن السحر والطائفية، وهو ما لمسته قبل أن أصل إلى الكنيسة، وهذا سيفسد الجو فى اليوم التالى-ليلة العيد- حين تستضيف الكنيسة مسلمى القرية لتقديم وليمة بمناسبة العيد، فعدلت عن رأيى ورأى الحركة فى التوعية بشكل مباشر
وقررنا العمل على التنمية بدلا من التوعية كحل مبدأى لتقريب الناس بعضهم ببعض، فالعمل من أجل القرية سيقرب حتما بين الناس، فالعمل التطوعى من أجل قضية وإن كانت محلية جدا-على مستوى القرية- كفيلة بجمع الناس، وهذا العمل قادر على محو الكثير من اسباب الطائفية المبنية بالأساس على الإشاعات وعدم الاختلاط بين المسلمين والمسيحيين. وبعدها يأتى دور التوعية
أتمنى أن يرسل الأزهر أحدهم، لأن شيوخ القرية كما فهمت ليسوا على العلم والوسطية الكافية، كما أن أحد الشباب المتشدد تكلم عن علاقة السياسة بالمسيحية فى الكنيسة قبل ان نصل، وهو ما يتناقض حتى مع مباديء المسيحية
زيارة المشايخ والقساوسة والفنانين لا تكفى لمحو أثار عهد مبارك التى امتدت لتضرب النسيج المصرى، جذور المشكلة مازالت موجودة وتحتاج إلى حل، حتى وإن اختفت النتيجة-هدم الكنيسة- فمصر تحتاج منا أكثر من التنظير فى البرامج الحوارية بعد العشاء، تدمع عيناى كلما فكرت فيما رأيت تحت الابتسامات والمجاملات فى هذه القرية، الجمر ما زال يشتعل تحت الرماد، والناس خائفة من كشف الجرح لتطهيره
هذا هو انطباعى الشخصى وليس بيانا عن الحركة
بى اس: يسرا هى من طلبت رؤية بقية أجزاء الكنيسة فامر القس أحد الخدام باصطحابنا فى جولة داخل الكنيسة