http://sm-palindrome.deviantart.com/

وقف ينظر من الشرفة، يتابع ابنه الذي تركه ليلعب في الشارع، لطالما كانت أفكاره دائماً غريبة، فهو مشترك في أحد أكبر الأندية في بلده، وكان وقته يسمح له لأخذ ابنه ليلعب هناك، ولكنه فضّل أن يتركه هناك ليلعب مع من هم أفقر منه، لتلامس أصابعه الرقيقة مياه المجارير، ففي مثل هذا البلد، لا فرق بين منطقة غنية او فقيرة، علي الجميع الشرب والاستحمام والعوم في مياه المجارير، هنا يتلخص جوهر العدالة الاجتماعية.

المشهد ذكّره بطفولته، وبصديقه الأقرب، لا عن اختيار، ولكنه كان صديقه الأقرب علي أي حال، الأيام اضطرته لمصادقته، فصاحبنا مضتهد بين زملائه في المدرسة، والناد، يقضي وقته في القراءة، كان يقرأ ما يتجاوز عمره بكثير، لاثبات انه أذكي من الجميع، ليس لديه أصدقاء، باستثناء "نادر"، والذي كان فعلاً من نوع نادر، فقد أوهمه لعدة سنوات بأن والده "باشا"-لم يكن لقب رجل أعمال قد استحدث بعد، او ربما كانت معلوماته متأخرة بعض الشيء لأنها مستمدة من أفلام الأربعينات التي تعرض في التلفاز- حتي أخذه ليتعرف عليه بعد عدة سنوات تحت الضغط، فوجده جالساً علي دكة أمام أحد الكتل الأسمنتية، مرتدياً جلباباً مرقّعاً.

-قلت لي باشا، هاه؟

-هو باشا، ولكنه عصامي، فخور بأصله

مرت السنون، كبرا معاً، كان صاحبنا مضطراً لهذا، في حين أن نادر كان مستفيداً، فهو يزوره في بيته ليلعب بألعابه، يلتقط بعض الكلمات الإنكليزية منه ليعيدها علي أصدقائه، ومع الوقت بدأ يتلصص عليه ليتعرف علي صديقاته، فنادر لم يكن يعرف سوي قريباته، كن فقيرات قذرات، أما صديقات صاحبنا فكن نظيفات، يفوح منهن رائحة ذكية عرف بعدها انها لل"شامبو" الذي يشاهد اعلاناته في التلفاز، كان يجلد عميرة أثناء مشاهدة صورهن علي الحاسوب، والذي اشتراه بعد ان جمع ثمنه من اصدقائه واقاربه.

أراد أن يطوّر من اسلوبه، فبداً في تعلم القليل من المهارات المختلفة من أصدقائه، بعض من أسرار مهنة تصفيف الشعر، فتدليك، ف"ترزي"، وهكذا، ولكنه كان يضخّم قدراته بألقاب لا يستحقها، فهو متخصص تجميل مرة، طبيب علاج طبيعي، ومصمم أزياء، وعن طريق العمل في تلك المهن استطاع التعرف الي أجمل-وأحياناً أشهر- النساء في بلده، بدأ يستخدم خدعه للوصول الي ما هو تحت الملابس، مع الوقت أوصله ذلك لمرتبة أدني من التواصل مع الذات، فمن الوجدان، الي الجسد، والجسد فقط، وهذا دفعه للبحث بشراهة اكثر عن فتيات أجمل، اجتماعية مفرطة دافعها الوحيد هو الشهوة، لم يستمع لنصائح صاحبنا بالاستقرار والبحث عن الحب وجعل الشهوة شيء ثانوي.

المشكلة الأساسية كانت في ان حتي ملكة جمال الكون كانت أقبح عنده من صديقات صاحبنا، فدخل الي حياته مجدداً بعد أن نسيه، أو أنسته اياه روائح الفتيات وأطعام الخمور، بدأ يفسد عليه علاقاته، كان يضغط عليه بما بينهما ليعرّفه اليهن

-طب عشان العشرة

كان يرد بدبلوماسية، بلا موافقة أو رفض، يحاول أن يصدق ادعائه بانه يحبها، أو علي الأقل مهتم بها، لكنه لم يسمح لنفسه بتسليمهن للمجهول، لم يعطه مفاتيحهن، لم يدعه يعرف كيف يتسلل اليهن، حاول أن يحذرهن عبر كلام عام عما حدث للشباب في ظل كلاً من الدين الشكلي والانترنت، مع الوقت أصبح كلامه أكثر مباشرة، كان ضميره يؤنبه، فهو لا يود أن يخسر صديق طفولته، ولكنه لا يود ان يخسر احترامه لنفسه أيضاً.

كان صاحبنا يراقب نادر وهو يتملق للفتيات ب"كليشيهات" من أفلام رشّحها له، كيف يغازل صديقاته، وبفظاظة، علي الرغم من انه مرتبط بأكثر من فتاة من مناطق مختلفة، يتعجّب من قدرته علي اصطيادهن، من جشعه للشهوة علي الرغم من ان الكثير من الفتيات تحبه، يعتقد انهن ساذجات، فمن المؤكد ان جميعهن يدركن انه-نادر- مجرد خلطة لابطال افلام شاهدها، أساطير حُكيت له-فلغته أضعف من أن يقرأ- وحتي هؤلاء الابطال كانوا خلطة من أبطال سابقين، الجميع مصطنع في ذلك العالم البشع.

قرر صاحبنا أن يقطع علاقته بنادر.... لكنه وبعد عشرين سنة قابله بالصدفة حين ذهب يبحث عمن يستخدمه لنقل بعض قطع الأثاث، عرفه أثناء النقل من صوته، فشكله كان قد تغيّر تماماً، لمعت أعينهم وهي تقول

لا داعي لاستدعاء ذكريات مؤلمة،.. دع اليوم يمضي.

لم يفكر نادر في الاعتذار عن كل الاحراج الذي سببه لصاحبنا، وبالفعل أكمل مهمته وهو يغني احدي الأغنيات الركيكة عن عجزه الجنسي بعد ان كان فحلاً



.